رفقا بمصر
مصر اسم يملأ سمع الدنيا وبصرها، مجدا وعزا وقوة، ومصر رمز الأمة العربية، وتاج عزتها، فكل الكتب المقدسة وكل الديانات السماوية احتضنتها مصر وامتدحت مصر الأرض ومصر الإنسان، ويكفي مصر المحروسة شهادة رب الوجود؛بأنها آمنة إلى يوم القيامة إنشالله، ومصر بلا منازع على أنها أقدم بلاد العرب ثقافة، وأعرقها معرفة، وأقدمها علوما،فتهفوا إلى مصر قلوبنا وقلوب العرب والعجم لأنها مصر العظيمة، مصر الحاضنة لكل أمرٍجميل ولكل قدرٍعظيم، ولكل فضلميمون، وستبقى مصر ذروة المجد ونبراس الضياء.
هل ثورة 25 يناير والثورات المضادة لها ستعصف بمصر الخير والأمن والرخاء، أم جاءت لتحررها من سلطة الفرد والأسرة؟ ولتصحح المسار التأريخي لمصر وتمكن الشعب بإنتخاب كافة مؤسساتهالدستورية العلياء عبر صناديق الإقتراع الحر المباشر من الشعب، ولتفرض سياسة تداول السلطة وفقا لإرادة الشعب، ولترسم أخلاق الإنقياد للقانون، وتكمل بناء مأسسة الدولة، وتحرير الإقتصاد، وحماية الحريات المشروعة التي يكفلها الدستور والقانون، ولنرى المصري الإنسان الذي نعرفه ويعرفه العالم يقف بجانب أخيه المصري لتتشابك الأيدي، وتتكاتف الجهود، وتنتظم الحشود لبناء متواصل لإعادة الاعتبار لمصر التي تسكن أعماق قلوبنا ونحبها كأبنائنا وبناتنا، وكأنفسنا وأرواحنا التي بين جنوبنا، وكلنا نعول على أن مصر الرائدة، ومصر القائدة ستقدم الأسوة الحسنة لبقية الشعوب، وستنهض بكل العرب، وبجيرانها وفقا لقيم المسئولية التاريخية، وما تحتمه مهمة القيادة على القائد.
لكن مابالنا نرى ونسمع، مؤسسات حكومية مشلولة بالاضرابات والاضطرات، ومصانع الإنتاج التي هي أساس الدخل القومي لمصر معطلة عن العمل، والهيئات التي يفترض استقلالها وبعدها عن ركوب موجة السياسة نراها تمارس نفس دور المرشدات السياحياتفي ساحات المظاهرات، وفي مرابض الإعتصامات، ونرى في مصر أن من يتحدث يرد عليه اسكت، ومن سكت يصرخ في وجهه ليه ساكت، ومن قام رشق (ليه) واقف، والذي يجلس يركل على وجهه (ليه) جالس، وأصبحت الجماهير تتسابق في تحد للقوانين، حتى صادرت أبرز علامة الثورة الزعيق والعنترة، و أصبحت الثقافة الثورية: الاستهتار برجل الامن، ورجل المرور، والواقفين الساهرين من اجل عيون مصر، وأصبح شغل الناس الشاغل هوالمطالبة بزيادة الأجورليس مقابل الانتاج؛ ولكن مقابل التجمهر والاضطرابات، ومظاهر الاستخفاف بالأمن،والتعديات على محطات القطارات، والمترو والطرق الآمنة بين المدن،
لقد تعودنا من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروأة في العهود السابقة أنها تُجمل كل قبيح في البلد، وتمكيج كل أشمط، وتغطي كل عيب، بل أتذكر أيام الثورة كانت الملايين تملأ ميدان التحرير ومسبيرو وضفاف النيل، وفي نفس الوقت كانت كيمرات قنوات التلفزة المرئية تنقل صورا من حشود الطيور المهاجرة عبر المحيطات، وأوزانها وسرعتها والشواطئ اللتي تجتازها والجزر التي تستوطنها، وكان المشاهدون يسخرون من هذه المهنية الإعلامية، أما اليوم فأصبحت وسائل الإعلام حرة، واندفعت من مهنة التجميل إلى مهنة التشويه بمصر، والتخويف من مصر، والترويع من مصر، وتحويل الحبة من الإختلال الأمني إلى قبة، والأقصوصة إلى قصة، حتى أصبحت مرة أخرى محل سخرية واستهجان إن مصر العظيمة ما تزال بخير، ومصر بإنسانها الكريم الطيب ما تزال هي تلك أسمارها، ومنتدياتها، ومجالسها واسواقها وسينماءاتها، ومسارحها، وطرقها وشواطئها، لم يتغير في مصر غير الصورة الذهنية لدى البعض، وتحرشو بكرامة الفضيلة، وكم هدموا المعبد على رؤس المصريين فملؤا القلوب حقدا، وشحنوا الصدور بغضا حتى أصبح المصري ضد المصري،والفئة ضد الفئة، فمتى كانت هذه قيم العظماء المصريين، وهل الاختلاف في السياسة أو الثقافة أوالإدارة أو الفكر أوالدين، مبررا لأن يكون ثمنه سمعة مصر كمالا يجوز أن تكون الضحية الأرض المباركة، والوطن العظيمالآمن المطمئن،مصر رحم الرسول محمد، ومزار السيد المسيح عيسى، ومهبط رسالة كليم الله موسى عليهم الصلاة والسلام.
مصر اليوم تتعرض لحملة تشويه من أبنائها، ومن خصومها، ومن البدو الرحل، ومن المطرقة والمنجل، ومن المتخمين المصابين بمرض الغيرة القاتلة، والبله الفطري الوراثي العتيق، أي قامة في سماء العروبة تطاول هامة مصر؟ وأي قزم في تراب البيداء يسامي أو يعالي الأهرام، والتأريخ، والحضارة، والعلم، والأخلاق والقيم التي تتمتع بها مصر،
أحبابنا في مصر لطفا ورفقا بمصر التي قال فيها علماء اللغات والمذاهب والفصحى آلاف المدائح والغزل وكان الألصق بالذاكرة شاعر النيل الكبير حافظ إهيم في قافيته الشهيرة:
كم ذا يعاني مغرم ويلاقي في حب مصر كثيرة العشاق
ومصر أمانة في عنق كل فم، وفي حبر كل قلم، وفي ذمة كل ذي ميثاق، أن لا يصيبها التشويه،ولا الإنجرار وراء الأموال الدنسة بكيد المؤامرات التي لا تحسن غير الهدم، ولا تتقن غير زراعة الفتن، فحذاري حذاري يا عقلاء ويا نبلاء مصر. والتخسأ ألسنة المرجفين ضد أمن مصر، واستقرار مصر، فتلك مصر ما تزال كماهي (ناقة الله وسقياها). فلاتعقروها بتشويه سمعتها، وتلطيخ عرضها، وأتمنى أن لا يكون بين أبناء مصر قاتل الناقة (قدار) .
لمصر غنيت من أشجا معانيها يائية الحرف ما أحلى قوافيها
لمصر قلبي وللأحباب مهجته ولي من الحب والذكرى مآسيها
لا عطرإلا ندى أزهار جنتها ولا نوادي الهوى إلا نواديها
في حبها كم قلوب لا عدادلها يذيبها الوجد والذكرى ويكويها
لا ليل كالصبح إلا في مرابعها والنور يصبغ أهليها ويرويها
سبتك فانتزعت قلبا على صغر فصرت شبابة العشاق في فيها
د عبد الولي الشميري
رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولي
رئيس منتدى المثقف العربي